خطورة ثقافة التصنيف


عندما يحتدم النقاش وتعلو الأصوات دفاعا عن وجهات النظر ، ويفقد الإنسان الحجة والقدرة على الإقناع بالمنطق والعقل والحقائق الدامغة ، يلجأ إلى ( حيلة لاشعورية ) تسمى  ( التصنيف ) ، فتجده يقول : ولكن فلان إسلامي أو ليبرالي أو من ذاك التجمع أو التكتل ، محاولا الضرب تحت الحزام ، هذا على المستوى السياسي ، أما على المستويات الأخرى فحدث ولا حرج.
فعلى المستوى المناطقي ، تجد التصنيف : داخل السور وخارج السور ، أو ( عيال بطنها واللفو ) ، وعلى المستوى المذهبي ، تجد التصنيف : سني سلفي ، سني إخواني ، صوفي ، شيعي من حزب الله ، شيعي من حزب الدعوة .
أما على المستوى الاجتماعي ، فكلنا يعرف التصنيف المشهور : ( هذا أصيل ، وهذا بيسري ) !! ، وهناك تصنيف آخر مبني على اللهجة  : بدوي وحضري ، وآخر منطلقه أصل الانتماء ، فتجدنا نقول على فلان أنه : نجدي ، أو عراقي ، أو حساوي ، أو اعجمي ( عيمي ) !!
من التصنيفات الأخيرة والطارئة على مجتمعنا ، وأعتقد أنها غير موجودة في مكان آخر في العالم ، لأنها من إبداعات الكويتيين : أندية التكتل ، وأندية المعايير !! والتي أدخلت مستقبل الرياضة الكويتية في نفق مظلم لولا عناية الله ثم تدخل حضرة صاحب السمو أمير البلاد مؤخرا.
لو جلست أعدد التصنيفات فلن أنتهي ، المشكلة تكمن في أن تلك التصنيفات أصبحت مثل (المساطر) التي نقيس بها من ندرجه تحتها ، فكل المندرجين تحت ( الحدسيين ) و ( السلفيين ) و( الليبراليين ) و (الشعبيين ) لهم صفات مشتركة وهذا غير صحيح ، ولو أخطأ أحدهم انسحب خطأه على الباقيين .
لو أخطأ شخص من تصنيف معين  قبل أيام أو سنوات أو عقود أو أجيال أو قرون حتى ، فإن لعنة تلك الخطيئة تلاحق من يندرج تحت ذلك التصنيف إلى يوم الدين ، وكأنه كتب علينا أن نحمل أوزارنا وأوزار غيرنا !! الطامة الكبرى أن من صميم ثقافة التصنيف أن من ينتمي لفئة معينة يتحتم عليه الدفاع عن جميع المنتمين لها ولو كان على خطأ !!
الترقيات .. المناصب .. التقييم السنوي للموظفين .. عضوية المجالس الحكومية .. عضوية الشركات المساهمة .. الانتخابات الفرعية القبلية .. عضوية جمعيات النفع العام .. تخضع جبرا تحت طائلة تلك التصنيفات و ( المساطر ) !!
" إن الله يأمر بالعدل " شعار يجب أن نرفعه في كل مكان وفي أي حوار ، فلا نحاسب شخصا على أخطاء غيره ، ولا نتعامل معه على أساس تصنيفه ، ولنكسر جميع ( المساطر ) التي تهدد أمننا وسلامة مجتمعنا ، ولنتعامل مع الإنسان كإنسان دون وضعه في إطار نتنبأ من خلاله طبيعة شخصيته ونمط تفكيره .
دعونا نتعلم مقارعة الحجة بالحجة ، والمنطق بالمنطق ، ولتكن ( الكويت ) وحبها تصنيفنا الوحيد لكل من يحمل الجنسية الكويتية ، لتكن ( مسطرتنا ) التي نستخدمها في الترقيات الوظيفية وتسكين المناصب الشاغرة والمهمات الرسمية ( الكفاءة ) ولا شيء غير ( الكفاءة ) .
إنني أقر بميزة من أسس الكويت وسكنها قبل النفط - سواء كانوا من داخل أو خارج السور ، حاضرة أو بادية - وقاتل من أجل بقائها عندما كانت بيئة صحراوية قاحلة طاردة ، فهؤلاء لا يستوون مع من جاء بعد ظهور النفط ، فحتى في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم والصحابة ، كانت هناك ميزة خاصة لمن شارك في معركة بدر وكانوا يسمون بـ ( البدريين ) ، كما كان هناك تمييز بين من أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعده قال تعالى في سورة الحديد : " وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) " ، فليس من المنطق ولا العقل أن نستخدم (الدستور) و(الجنسية) لإلغاء تلك الميزة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق